responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 4  صفحه : 236
وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الكافرون: [1]- 2] إلى آخرها، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ وَأَتْبَاعُهُ لِقَوْمِهِمُ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الممتحنة: 4] الآية، وَقَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَيْ يَسْمَعُونَ كَلَامَكَ الْحَسَنَ وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وَالْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الْفَصِيحَةَ النافعة في القلوب والأديان والأبدان وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ عَظِيمَةٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْكَ وَلَا إِلَيْهِمْ فَإِنَّكَ لَا تَقْدِرُ عَلَى إِسْمَاعِ الْأَصَمِّ وَهُوَ الْأَطْرَشُ فَكَذَلِكَ لَا تَقْدِرُ عَلَى هِدَايَةِ هَؤُلَاءِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَيْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَإِلَى مَا أَعْطَاكَ اللَّهُ مِنَ التُّؤَدَةِ وَالسَّمْتِ الحسن والخلق العظيم، والدلالة الظاهرة على نبوتك لِأُولِي الْبَصَائِرِ وَالنُّهَى. وَهَؤُلَاءِ يَنْظُرُونَ كَمَا يَنْظُرُ غَيْرُهُمْ وَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنَ الْهِدَايَةِ شَيْءٌ كما يَحْصُلُ لِغَيْرِهِمْ، بَلِ الْمُؤْمِنُونَ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ بِعَيْنِ الوقار، وهؤلاء الكفار يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ بِعَيْنِ الِاحْتِقَارِ وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً [الفرقان: 41] الآية.
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا شَيْئًا وَإِنْ كَانَ قَدْ هَدَى بِهِ مِنْ هدى وَبَصَّرَ بِهِ مِنَ الْعَمَى، وَفَتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا، وَأَضَلَّ بِهِ عَنِ الْإِيمَانِ آخَرِينَ، فَهُوَ الْحَاكِمُ الْمُتَصَرِّفُ فِي مُلْكِهِ بِمَا يَشَاءُ الَّذِي لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ لِعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا- إِلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِهِ- يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ الله، ومن وجد غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ» رَوَاهُ مسلم [1] بطوله.

[سورة يونس (10) : آية 45]
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (45)
يَقُولُ تَعَالَى مُذَكِّرًا لِلنَّاسِ قِيَامَ السَّاعَةِ وَحَشْرَهُمْ مِنْ أجداثهم إلى عرصات القيامة: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ الآية. كقوله: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ وكقوله:
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها [النَّازِعَاتِ: 46] وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً [طه: 102- 104] وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ [الروم: 55] الآيتين، وَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِقْصَارِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا في الدار الآخرة كقوله: قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [المؤمنون: 112- 114] .

[1] كتاب البر حديث 55.
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 4  صفحه : 236
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست